فصل: قال الألوسي:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وحدثنا بشر حدثنا يزيد، حدثنا سعيد؛ عن قتادة قال: دخل نساء على نساء النبي صلى الله عليه وسلم، فقلن: قد ذَكَركُنّ الله في القرآن، ولم نُذكَر بشيء، أما فينا ما يذكر؟ فأنزل الله عز وجل: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ} الآية.
فقوله: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} دليل على أن الإيمان غير الإسلام، وهو أخص منه، لقوله تعالى: {قَالَتِ الأعْرَابُ آمَنَّا قُلْ لَمْ تُؤْمِنُوا وَلَكِنْ قُولُوا أَسْلَمْنَا وَلَمَّا يَدْخُلِ الإيمَانُ فِي قُلُوبِكُمْ} [الحجرات: 14]. وفي الصحيحين: «لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن». فيسلبه الإيمان، ولا يلزم من ذلك كفره بإجماع المسلمين، فدل على أنه أخص منه كما قررناه في أول شرح البخاري.
وقوله: {وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ} القنوت: هو الطاعة في سكون، {أَمْ مَنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ} [الزمر: 9]، وقال تعالى: {وَلَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ كُلٌّ لَهُ قَانِتُونَ} [الروم: 26]، {يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ} [آل عمران: 43]، {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238]. فالإسلام بعده مرتبة يرتقي إليها، ثم القنوت ناشيء عنهما.
{وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ} هذا في الأقوال، فإن الصدق خصلة محمودة؛ ولهذا كان بعض الصحابة لم تُجَرّب عليه كِذْبة لا في الجاهلية ولا في الإسلام، وهو علامة على الإيمان، كما أن الكذب أمارة على النفاق، ومَنْ صدق نجا، «عليكم بالصدق؛ فإن الصدق يهدي إلى البر، وإن البر يهدي إلى الجنة. وإياكم والكذب؛ فإن الكذب يهدي إلى الفجور، وإن الفجور يهدي إلى النار. ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا، ولا يزال الرجل يكذب ويتَحرَّى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا». والأحاديث فيه كثيرة جدا.
{وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ} هذه سَجِيّة الأثبات، وهي الصبر على المصائب، والعلم بأن المقدور كائن لا محالة، وَتَلَقّي ذلك بالصبر والثبات، وإنما الصبر عند الصدمة الأولى، أي: أصعبه في أول وهلة، ثم ما بعده أسهل منه، وهو صدق السجية وثباتها.
{وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ} الخشوع: السكون والطمأنينة، والتؤدة والوقار والتواضع. والحامل عليه الخوف من الله ومراقبته، كما في الحديث: «اعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
{وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ} الصدقة: هي الإحسان إلى الناس المحاويج الضعفاء، الذين لا كَسْبَ لهم ولا كاسب، يعطون من فضول الأموال طاعة لله، وإحسانا إلى خلقه، وقد ثبت في الصحيحين: «سبعة يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله» فذكر منهم: «ورجل تصدق بصدقة فأخفاها، حتى لا تعلم شماله ما تنفق يمينه». وفي الحديث الآخر: «والصدقة تطفئ الخطيئة، كما يطفئ الماء النار».
وفي الترمذي عن أنس بن مالك، رضي الله عنه، عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال: «إن الصدقة تطفئ غضب الرب وتدفع ميتة السوء».
وفي الصحيحين عن عدي بن حاتم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما منكم من أحد إلا سيكلمه ربه، ليس بينه وبينه ترجمان، فينظر أيمن منه، فلا يرى إلا ما قدَّم، وينظر أشأم منه، فلا يرى إلا ما قدم، وينظر بين يديه فلا يرى إلا النار تلقاء وجهه. فاتقوا النار ولو بشق تمرة».
وفي حديث أبي ذر أنه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم ماذا ينجي العبد من النار؟ قال: «الإيمان بالله». قلت: يا نبي الله، مع الإيمان عمل؟ قال: «ترضخ مما خوَّلك الله»، أو «ترضخ مما رزقك الله»؛ ولهذا لما خطب النبي صلى الله عليه وسلم يوم العيد قال في خطبته: «يا معشر النساء تصدَّقْنَ ولو من حليكن، فإني رأيتكن أكثر أهل النار». وكأنه حثهن ورغبهن على ما يفدين به أنفسهن من النار، وقال عمر بن الخطاب، رضي الله عنه: ذكر لي أن الأعمال تتباهى، فتقول الصدقة: أنا أفضلكم.
وفي الصحيحين عن أبي هريرة قال: ضرب رسول الله صلى الله عليه وسلم، مثل البخيل والمتصدق، كمثل رجلين عليهما جبتان من حديد، أو جنتان من حديد. قد اضطرت أيديهما إلى ثديهما وتراقيهما، فجعل المتصدق، كلما تصدق بصدقة انبسطت عنه، حتى تغشى أنامله، وتعفو أثره، وجعل البخيل كلما همَّ بصدقة قلصت، وأخذت كل حلقة مكانها. قال أبو هريرة: فأنا رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول بإصبعه هكذا في جيبه. فلو رأيته يوسعها ولا يتسع. وقد قال تعالى: {وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [التغابن: 16] فجود الرجل يحببه إلى أضداده، وبخله يبغضه إلى أولاده. كما قيل:
وَيُظْهر عيبَ المرء في الناس بخلُه ** وتستره عنهم جميعا سخاؤه

تَغَطَّ بأثواب السخاء فإنني ** أرى كل عيب والسخاء غطاؤه

والأحاديث في الحث عليها كثيرة جدا، له موضع بذاته.
{وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} في الحديث الذي رواه ابن ماجه: «والصوم زكاة البدن» أي: تزكيه وتطهره وتنقيه من الأخلاط الرديئة طبعا وشرعا.
قال سعيد بن جبير: من صام رمضان وثلاثة أيام من كل شهر، دخل في قوله: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ}.
ولما كان الصوم من أكبر العون على كسر الشهوة- كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «يا معشر الشباب، مَنْ استطاع منكم الباء فليتزوج، فإنه أغَضُّ للبصر، وأحْصَن للفرج، ومَنْ لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجَاء»- ناسب أن يذكر بعده: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} أي: عن المحارم والمآثم إلا عن المباح، كما قال تعالى: {وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ إِلا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون: 5- 7].
وقوله: {وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ} قال ابن أبي حاتم:
حدثنا أبي، حدثنا هشام بن عبيد الله، حدثنا محمد بن جابر، عن علي بن الأقمر، عن الأغَرِّ أبي مسلم، عن أبي سعيد الخدري، رضي الله عنه، أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل، فصليا ركعتين، كتبا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرا والذاكرات».
وقد رواه أبو داود، والنسائي، وابن ماجه، من حديث الأعمش، عن علي بن الأقمر، عن الأغر أبي مسلم، عن أبي سعيد وأبي هريرة، عن النبي صلى الله عليه وسلم، بمثله.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا دَرَّاج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد الخُدْري، رضي الله عنه، أنه قال: قلت: يا رسول الله، أي العباد أفضل درجة عند الله يوم القيامة؟ قال: «الذاكرون الله كثيرا والذاكرات».
قال: قلت: يا رسول الله، ومن الغازي في سبيل الله؟ قال: «لو ضرب بسيفه في الكفار والمشركين حتى ينكسر ويختضب دما لكان الذاكرون الله أفضل منه».
وقال الإمام أحمد: حدثنا عفان، حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم، عن العلاء، عن أبيه، عن أبي هريرة، رضي الله عنه، قال: كان النبي صلى الله عليه وسلم يسير في طريق مكة، فأتى على جُمْدان فقال: «هذا جُمْدان، سيروا فقد سبق المُفَرّدون». قالوا: وما المُفَرّدون؟ قال: «الذاكرون الله كثيرا». ثم قال: «اللهم اغفر للمحلقين». قالوا: والمقصرين؟ قال: «اللهم، اغفر للمحلقين». قالوا: والمقصرين؟ قال: «والمقصرين». تفرد به من هذا الوجه، ورواه مسلم دون آخره.
وقال الإمام أحمد: حدثنا حُجَيْن بن المثنى، حدثنا عبد العزيز بن أبي سلمة، عن زياد بن أبي زياد- مولى عبد الله بن عَيَّاش بن أبي ربيعة- أنه بلغه عن معاذ بن جبل، رضي الله عنه، أنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ما عمل آدمي عملا قط أنجى له من عذاب الله من ذكر الله». وقال معاذ: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «ألا أخبركم بخير أعمالكم، وأزكاها عند مليككم، وأرفعها في درجاتكم، وخير لكم من تعاطي الذهب والفضة، ومن أن تلقوا عدوكم غدا فتضربوا أعناقهم ويضربوا أعناقكم»؟ قالوا: بلى يا رسول الله. قال: «ذكر الله عز وجل».
وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا ابن لَهِيعة، حدثنا زَبَّان بن فائد، عن سهل بن معاذ بن أنس الجُهَنيّ، عن أبيه، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم: أن رجلا سأله فقال: أي المجاهدين أعظم أجرًا يا رسول الله؟ فقال: «أكثرهم لله ذكرًا». قال: فأي الصائمين أكثر أجرًا؟ قال: «أكثرهم لله ذكرا». ثم ذكر الصلاة والزكاة والحج والصدقة، كل ذلك يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أكثرهم لله ذكرا». فقال أبو بكر لعمر، رضي الله عنهما: ذهب الذاكرون بكل خير. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «أجل».
وسنذكر بقية الأحاديث الواردة في كثرة الذكر عند قوله تعالى في هذه السورة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا وَسَبِّحُوهُ بُكْرَةً وَأَصِيلا} الآية [الأحزاب: 41، 42]، إن شاء الله تعالى.
وقوله: {أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا} أي: هيأ لهم منه لذنوبهم مغفرة وأجرا عظيما وهو الجنة. اهـ.

.قال أبو السعود:

{إِنَّ المسلمين والمسلمات} أي الدَّاخلينَ في السِّلمِ المُنقادينَ لحكمِ الله تعالى من الذُّكورِ والإناثِ {والمؤمنين والمؤمنات} المصدِّقينَ بما يجبُ أنْ يصدَّقَ بهِ من الفريقينِ {والقانتين والقانتات} المداومينَ على الطَّاعاتِ القائمينَ بها {والصادقين والصادقات} في القولِ والعملِ {والصابرين والصابرات} على الطَّاعاتِ وعَنِ المَعَاصي {والخاشعين والخاشعات} المتواضعينَ لله بقلوبِهم وجوارحِهم {والمتصدقين والمتصدقات} بما وجبَ في مالِهم {والصائمين والصائمات} الصَّومَ المفروضَ {والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات} عن الحرامِ {والذكرين الله كَثِيرًا والذكرات} بقلوبِهم وألسنتِهم {أَعَدَّ الله لَهُمْ} بسببِ مما عملُوا من الحسناتِ المذكورةِ {مَغْفِرَةً} لما اقترفُوا من الصَّغائرِ لأنهنَّ مكفراتٌ بما عملُوا من الأعمالِ الصَّالحةِ {وَأَجْرًا عَظِيمًا} على ما صدرَ عنهم من الطَّاعاتِ والآياتِ وعدَّ لهنَّ ولأمثالِهنَّ على الطَّاعةِ والتَّدرعِ بهذهِ الخصالِ الحميدةِ.
رُوي أنَّ أزواجَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ورضي عنهنَّ قلنَ: يا رسولَ الله، ذَكَر الله الرِّجالَ في القرآنِ بخيرٍ فما فينا خيرٌ نذكرُ به إنَّا نخافُ أنْ لا يقبلَ منَّا طاعةٌ فنزلتْ. وقيلَ: السَّائلةُ أمُّ سلمةَ.
ورُوي أنَّه لمَّا نزلَ في نساءِ النبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ما نزلَ قالَ نساءُ المؤمنينَ: فما نزلَ فينا شيءٌ فنزلتْ. وعطفُ الإناثِ على الذُّكورِ لاختلافِ الجنسينِ وهو ضروريٌّ. وأمَّا عطفُ الزَّوجينِ على الزَّوجينِ فلتغايرِ الوصفينِ فلا يكونُ ضروريًا ولذلكَ تُرك في قولِه تعالى: {مسلمات مؤمنات} وفائدتُه الدِّلالةُ على أنَّ مدارَ إعدادِ ما أُعدَّ لهُم جمعُهم بين هذهِ النُّعوتِ الجميلةِ. اهـ.

.قال الألوسي:

{إِنَّ المسلمين والمسلمات} أي الداخلين في السلم المنقادين لحكم الله تعالى أو المفوضين أمرهم لله عز وجل من الذكور والإناث {والمؤمنين والمؤمنات} المصدقين بما يجب أن يصدق به من الفريقين.
{والقانتين والقانتات} المداومين على الطاعات القائمين بها {والصادقين والصادقات} في أقوالهم التي يجب الصدق فيها، وقيل في القول والعمل.
وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير أنه قال أي في إيمانهم {والصابرين} على المكاره وعلى العبادات وعن المعاصي {والصابرات والخاشعين والخاشعات} المتواضعين لله تعالى بقلوبهم وجوارحهم.
وقيل: الذين لا يعرفون من عن أيمانهم وشمائلهم إذا كانوا في الصلاة {والمتصدقين والمتصدقات} بما يحسن التصدق به من فرض وغيره {والصائمين والصائمات} الصوم المشروع فرضًا كان أو نفلًا، وعن عكرمة الاقتصار على صوم رمضان، وقيل: من تصدق في كل أسبوع بدرهم فهو من المتصدقين ومن صام البيض من كل شهر فهو من الصائمين {والحافظين فُرُوجَهُمْ والحافظات} عما لا يرضى به الله تعالى.
{والذكرين الله كَثِيرًا والذكرات} بالألسنة والقلوب ومدار الكثرة العرف عند جمع، وأخرج عبد الرزاق وسعيد بن منصور وعبد بن حميد وابن المنذر وابن أبي حاتم عن مجاهد قال: لا يكتب الرجل من الذاكرين الله كثيرًا حتى يذكر الله تعالى قائمًا وقاعدًا ومضطجعًا.
وأخرج أبو داود والنسائي وابن ماجه وغيرهم عن أبي سعيد الخدري أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «إذا أيقظ الرجل امرأته من الليل فصليا ركعتين كانا تلك الليلة من الذاكرين الله كثيرًا والذاكرات»، وقيل: المراد بذكر الله تعالى ذكر آلائه سبحانه ونعمه وروي ذلك عن عكرمة ومآل هذا إلى الشكر وهو خلاف الظاهر.
{أَعَدَّ الله لَهُمْ} بسبب كسبهم ما ذكر من الصفات {مَغْفِرَةٍ} لما اقترفوا من الصغائر لأنهن مكفرات بالأعمال الصالحة كما ورد {وَأَجْرًا عَظِيمًا} على ما عملوا من الطاعات؛ والآية وعد للأزواج المطهرات وغيرهن ممن اتصفت بهذه الصفات، أخرج أحمد والنسائي وغيرهما عن أم سلمة رضي الله تعالى عنها قالت: قلت للنبي صلى الله عليه وسلم ما لنا لا نذكر في القرآن كما يذكر الرجال؟ فلم يرعني منه صلى الله عليه وسلم ذات يوم إلا نداءه على المنبر وهو يقول: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} إلى آخر الآية، وضمير ما لنا للنساء على العموم ففي رواية أخرى رواها النسائي وجماعة عنها أيضًا أنها قالت: قلت للنبي عليه الصلاة والسلام ما لي أسمع الرجال يذكرون في القرآن والنساء لا يذكرون؟ فأنزل الله تعالى: {إِنَّ المسلمين والمسلمات} الآية.
وفي بعض الآثار ما يدل على أن القائل غيرها، أخرج الترمذي وحسنه والطبراني وعبد بن حميد وآخرون عن أم عمارة الأنصارية أنها أتت النبي صلى الله عليه وسلم فقالت: ما أرى كل شيء إلا للرجال وما أرى النساء يذكرن بشيء فنزلت هذه الآية: {إِنَّ المسلمين}. إلخ.
وأخرج ابن جرير عن قتادة قال: دخل نساء على نساء النبي صلى الله عليه وسلم فقلن: قد ذكركن الله تعالى في القرآن وما يذكرنا بشيء أما فينا ما يذكر فأنزل الله تعالى: {إِنَّ المسلمين} الآية، وفي رواية أخرى عنه أنه قال: لما ذكر أزواج النبي صلى الله عليه وسلم قال النساء: لو كان فينا خير لذكرنا فأنزل الله تعالى الآية.
ولا مانع أن يكون كل ذلك، وعطف الإناث على الذكور كالمسلمات على المسلمين والمؤمنات على المؤمنين ضروري لأن تغاير الذوات المشتركة في الحكم يستلزم العطف ما لم يقصد السرد على طريق التعديد، وعطف الزوجين أعني مجموع كل مذكر ومؤنث كعطف مجموع المؤمنين والمؤمنات على مجموع المسلمين والمسلمات غير لازم وإنما ارتكب هاهنا للدلالة على أن مدار اعداد ما أعد لهم جمعهم بين هذه النعوت الجميلة.
وذكر الفروج متعلقًا للحفظ لكونها مركب الشهوة الغالبة، وذكر الاسم الجليل متعلقًا للذكر لأنه الاسم الأعظم المشعر بجميع الصفات الجليلة، وحذف متعلق كل من الحافظات والذاكرات لدلالة ما تقدم عليه، وجعل الذكر آخر الصفات لعمومه وشرفه {وَلَذِكْرُ الله أَكْبَرُ} [العنكبوت: 45] وتذكير الضمير في {أَعَدَّ الله لَهُمْ} لتغليب الذكور على الإناث وإلا فالظاهر لهم ولهن، ولله تعالى در التنزيل أشار في أول الآية وآخرها إلى أفضلية الذكور على الإناث. اهـ.

.قال عبد الكريم الخطيب:

قال تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِماتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ}.
كانت الآيات السابقة دعوة لنساء النبي من اللّه سبحانه وتعالى، إلى ما يحفظ عليهن مقامهن الكريم عند اللّه، ومنزلتهن العالية في نفوس المسلمين وقد وعدهن اللّه سبحانه وتعالى على ذلك أجرا عظيما.